الاثنين، 7 فبراير 2011

الذين ذاقوا البسبوسة... 2001-2005



كنت صغيرًا حين قال لي أحد الذين تربيت على كلماتهم: "إذا أردت أن تعطي أحد الفقراء طعامًا فلا تعطه قطعة بسبوسة لأن طعمها سيظل في فمه بقية عمره و سيضحى ناقمًا على أحواله حينما يجد نفسه غير قادر على توفير قطعة أخرى". منذ ذلك الوقت اتخذت تلك الكلمات -على بساطتها- منهاجًا لي في الكثير من المواقف المشابهة؛ لا تمنح أحدًا شيئًا إذا كنت ستحرمه منه بعد ذلك.

و بنفس المنطق مرت الأحداث على مصر في العشر سنوات الأخيرة, و أغلب الظن -بل المؤكد- أن صناع القرار في مصر لم يفطنوا إلى تلك الكلمات البسيطة التي قالها شخص ربما تمر أمامه عشرات المرات و لا يسترعي انتباهك, و أغلب الظن أنهم حتى لو سمعوها سيحصرونها -و فقط- في قطعة البسبوسة التي ذاقها الفقير.

تناسوا أن بسبوسة الشعوب هي "الحرية".

في بداية القرن الحالي بدأ يلفت انتباهنا نوع جديد من الدعايات الإعلانية التي تلعب على أوتار شحذ همم الشباب و حثهم على المشاركة الإيجابية في رفعة الوطن, و كان باكورة إنتاج ذلك الفكر هو إعلان طويل عبارة عن أغنية يخاطب فيها المطرب شباب النيل؛ "شباب النيل أوام بينا", و تزامن هذا الإعلان مع صعود نجم مجموعة من القيادات في الحزب الوطني عُرِفوا بـ"الحرس الجديد" تبنوا أفكارًا تحمل إصلاحات إقتصادية و أخرى سياسية, و ظل ذلك الإعلان يتردد في أذهان كل شاب و يلعب بعواطفه. و الحقيقة كنت أنا أحد الشباب الذين ملأهم الإعلان بالحماسة و الأمل.

ثم هل علينا العام 2004؛ و هو العام الذي ذاق فيه الشعب المصري طعم الحرية -البسبوسة-. ذلك العام بالتحديد شهد حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي في مصر؛ فظهرت حركة (كفاية) و في المقابل تغيرت لغة الإعلام الحكومي المصري تمامًا لتظهر علينا برامج التوك شو مثل برنامج (حالة حوار) و غيره من البرامج التي تناولت مواضيع لم نكن نتخيل يومًا أننا سنشاهدها في إعلامنا الحكومي. لكن ما أطلق قطار الحراك السياسي فعلا هو الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك و فاجأ فيه الجميع بإعلانه أنه طلب من مجلس الشعب تعديل المادة 76 من الدستور لفتح باب الترشح في انتخابات الرئاسة أمام من يرى في نفسه القدرة على ذلك, يومها قامت الدنيا تصفق و ضرع (المطبلاتية) بالتطبيل للقرار التاريخي, و شهدت مصر حالة من الحراك السياسي غير متوقعة, و نفاجأ بأن التليفزيون الحكومي يستضيف أشخاصًا مثل أحمد منصور المحاور بقناة الجزيرة!! و تسابقت برامج التوك شو في استضافة رموز المعارضة يتحدثون عن أحلامهم و طموحاتهم, و ظهرت مجموعة كبيرة من الإعلانات التي تشبه "شباب النيل", و مجموعة أكبر من الأغنيات في تمجيد الوطن و شبابه.

و ذاقت مصر طعم الحرية؛ البسبوسة....

لكن ماذا حدث في 2005؟

النصف الأول من ذلك العام كان امتدادًا لحالة الحراك السياسي التي استمرت حتى أتى موسم الانتخابات الذي شهد بداية انهيار الحراك السياسي و وضح فشل الفكر الجديد في جذب تأييد الشعب المصري في المراحل الأولى لانتخابات مجلس الشعب الذي فازت في جماعة الإخوان المسلمين بمعظم -أو كل- المقاعد التي تنافست عليها مما هدد بفقدان الحزب الوطني لأغلبية الثلثين في المجلس فتدخل بشكل سافر في المرحلة الثالثة ليحسم باقي المقاعد له و يملأها بأسماء نواب لم نسمع عنهم من قبل.

أما إذا عدنا إلى تعديلات المادة 76 الخاصة بانتخابات الرئاسة فأنا أذكر جيدًا صراخ المعارضة داخل المجلس القديم (2000-2005) اعتراضًا على تلك التعديلات و أذكر أيضًا أن د/ أيمن نور ترك الجلسة و خرج معترضًا, أذكر أيضًا أنه لم يعد إليه في انتخابات مجلس الشعب 2005, أما انتخابات الرئاسة في نفس العام فقد تم قبول أوراق عشرة مرشحين؛ الأول فاز بنسبة تفوق 86% (امتياز) و الثاني أودع السجن بعدها بشهور و الثالث فشل في قيادة حزبه فانقلب عليه, أما السبعة الباقون فلا نعرف عنهم شيئًا لا قبل الانتخابات و لا بعدها سوى أن أحدهم قيل أنه أعطى صوته للرئيس مبارك!!

و منذ ذلك التاريخ و حتى الآن استأسد أصحاب الفكر الجديد و سيطر أصحاب النفوذ و ازداد (المطبلاتية) تطبيلًا و توالت المصائب على أبناء الشعب بداية من العبّارة (السلام 98) إلى غيرها في قائمة طويلة ساهم فيها غياب العدل و استشراء الفساد....

أما الشباب؛ ففقدوا -أو كادوا يفقدون- الإحساس بتلك الكلمات الرنانة التي تطلقها إعلانات الفكر الجديد و لم تحركهم الأغنيات الوطنية مثل (ماشربتش من نيلها), و توالت الأحداث حتى وصل الأمر إلى طريق مسدود. ما حدث في الـ6 سنوات الأخيرة قد يكون موضوع تدوينات أخرى لكنكم تعرفونها أكثر مني بالتأكيد.

و ختامًا؛ سيدي الرئيس؛ لقد أذقت شعبك طعم الحرية في 2004 فظل طعمها عالقًا بحلوقهم, ثم حرمتهم منها 6 سنوات فتعطشوا إليها و حلموا بها؛ لذا لا تتعجب -سيادة الرئيس- حينما تراهم يقاتلون طمعًا في اكتساب قطع جديدة من البسبوسة؛ الحرية.
تمت
أحمد ثروت
8/2/2011


فيديو إعلان شباب النيل
http://www.youtube.com/watch?v=2S791yo4p98


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق