الاثنين، 14 ديسمبر 2015

ورقة صفراء.. قصة قصيرة.. الجزء الأول


  ورقة صفراء                     باهت لونها                                      لا تسر الناظرين 


"مواطن عراقي يبيع كلْيته من أجل دفع رشوة للحصول على وظيفة " .. خبر حقيقي 2007

الحمد لله الذي نجانا منها!
أسبوعان منذ بدأنا مغامرة الهروب من العراق. قوات التحالف دكت الأرض العراقية ردًا على اكتساح "صدام حسين" للكويت, "صدام" كان دائم التحرش لفظيا بالسيادة الكويتية –و التحدث عن الحق التاريخي و الجغرافي للعراق- لكن لم يتوقع أحد أن يصحو العالم في ذلك اليوم من أغسطس 1990 على لقطات اجتياح القوات العراقية للأراضي الكويتية, و الاستيلاء على العاصمة, و هروب الأمير!

و كأن الزعيم اكتشف أن بوصلة المسجد الأقصى لا تمر عبر إيران؛ فقرر توجيهها خلال الكويت! تلك الخطوة التي ألّبت عليه القريب قبل الغريب. و ما لبث أن اجتمعت دول عربية و أوروبية –و أمريكا-, و اتفقت الدول, و جُيّشت الجيوش, و وضعت "عاصفة الصحراء" قيد التنفيذ. لم تكن العاصفة لتحرر الكويت و فقط, و لكنها كانت لتأديب الـ"صدام" و فرض الحصار على حكمه.

عراق الخير؛ جنة الأرض و كعبة المصريين المغتربين, أضحت تحت الحصار. و المصريون المغتربون بالداخل العراقي باتوا تحت حصار داخل الحصار, بعد العمليات البرية التي قام بها الجيش المصري ضمن قوات التحالف. صار علينا أن نهرب بأنفسنا قبل أموالنا من جحيم الحرب من جهة و من دافع الانتقام من المصريين من الجهة الأخرى. رُسِمَت لنا الممرات الآمنة التي التي هربنا منها جماعات و فرادى و تركنا ما اكتسبناه من غربتنا على وعد باستعادته بمجرد عودتا إلى مصر.

أيام عبر الصحراء من العراق إلى الأردن, الماء القليل و الشمس و العرق رغم دخول الخريف. الانتظار طويلًا حتى نستقل الأتوبيسات التي ستأخذنا إلى العقبة ثم العبّارات المكدسة إلى مصر. عدنا و نحن لا نملك إلا ملابس سكنتها وعثاء السفر, و قلوب هالتها كآبة المنظر, و عقول تخشى سوء المنقلب؛ في المال و الأهل و الولد!
                             *******************

العمر يمر, و الولد يكبر, و الأهل ينفذ صبرهم, و القلوب لم تأنس, و العقول تفكر؛ المال! الحوالة الصفراء التي أعطوها لي لأستعيد بها ما ادخرته بالعراق. قالوا لي هذه الورقة الصفراء هي إثبات حقك؛ حافظ عليها و ما هي إلا أيام معدودات و تستبدلها بمدخراتك. لكن الأيام مرت شهورًا ثم سنين. و الوعود بقرب صرف المستحقات تسلم بعضها بعضًا.

الورقة لم تفارق جيبي؛ ترافقني في مشاويري إلى وزارة التأمينات لتعسس الجديد, و تقرأ معي جرائد كل يوم, أزمات الزلزال و السيول, مؤتمرات التعليم و السكان, قرب حل أزمة أصحاب الحوالات الصفراء, صوت الرئيس يحدثنا عن القنبلة السكانية و عن التعليم كقضية أمن قومي, معدلات التنمية و المشاريع الحديثة و محاربة التضخم, قرب حل أزمة أصحاب الحوالات الصفراء, محاولة الاغتيال الآثمة التي كادت أن تطول السيد الرئيس, محاربة الإرهاب الأسود, عودة السياحة, قرب حل أزمة أصحاب الحوالات الصفراء, العالم يستقبل الألفية الجديدة تحت سفح الهرم الأكبر و المضي في إنشاء مكتبة الأسكندرية الجديدة.... و قرب حل أزمة أصحاب الحوالات الصفراء!!


حتى خلافاتي مع زوجتي عن ضيق ذات اليد و عن حاجة البيت و الولد لكيت و كيت, كانت الورقة تشهدها و أحيانا تظهر في دور صامت عندما اخرجها من جيبي ملوحًا بها في وجه زوجتي فتعرض هي –زوجتي- و تصمت, و تبكي! و كنت أنا أنزوي و أفرد الورقة أمامي متحدثًا إليها و مدققًا في الحبر المكتوب خوفًا من أن يندثر أو يذوب فلا يظهر المبلغ و قدره... فقط لا غير.


يتبع
أحمد ثروت السعيد
14/12/2015