الخميس، 21 أكتوبر 2010

خمارة الشيخ خالد... الحلقة الرابعة و الأخيرة






"عزيزة بنت أبي مبروك"
.... أرملة (خميس حمو) و أم أبنائه اليتامي؛ شابة غيداء ألبسها الحزن و الحاجة لباسًا كئيبًا بعد العثور على جثة زوجها ملقاة بقنال المحمودية و تردد أقاويل حول إتجاره -أي خميس- في المخدرات... ربما اختلف مع أحد شركائه فباغته الأخير بضربة على أم رأسه ثم أجهز عليه.

لم تجد (عزيزة) غير الشيخ خالد شريك زوجها السابق و الرجل الطيب الوقور الذي توسط لدى ضابط الشرطة كي يحفظ التحقيق في مقتل (خميس) و لا يتم تفتيش منزلها أو الورشة -و أكرر؛ كيلا تُفَتَّش الورشة- و ذلك لإبعاد القيل و القال عن تلك الأسرة المكلومة -أسرة خميس-!

و هذا ما أكنت (عزيزة) للشيخ خالد من عرفان للجميل, أما (الشيخ خالد) نفسه فرأى في (عزيزة) الشباب الذي يذكي نار كهولته, و رأى في ضعفها و انكسارها فتنة لا تفوقها كل الفتن؛ فالمرأة المنكسرة لها من السحر ما يمسك بلباب الرجال و يلوي أعناقهم.... لذا حاول الشيخ التقرب إلى تلك الحسناء بشتى الطرق؛ و طرق الرجال كثيرة في ذلك فهو إن لم يملك قلبها بالرضا تقرب إليها (بكسر عينها) و التفضل عليها, و تلك طريقة من هم أمثال (الشيخ خالد)؛ فتجده يدفع عنها إزعاج تحقيقات الشرطة و يصرف لها بين الحين و الحين ما يعينها على أن تقتات فتات العيش.

و كلما رأى في عينيها مسحة من ذلك الضعف الساحر ازداد شغفه بها و إصراره على التقرب إليها.

أما هي -(عزيزة)- فهي كما قلنا لم تجد غير (الشيخ خالد) صديق والدها يساعدها و يحنو عليها و ينتشلها من مصابها, صحيح أن نظراته -أحيانًا- ما تكون غريبة نوعًا ما, و صحيح أيضًا أن زوجها الراحل (خميس) قد حذرها كثيرا من التعامل مع الشيخ إلا أنها لم تجد منه - أي الشيخ- ما يسوء؛ بل بالعكس قد مات زوجها (خميس) غير مأسوف عليه و بقى (الشيخ خالد) ليقسم بحسن سيرته الناس أجمعين.

و لذلك عزمت أن تتوسط لديه كي يجد عملًا لابنها الأكبر.

*******

ابتلع (الشيخ خالد) دواء الكبد و أتبعه بعدة أكواب من الخمر, و كان على حالته تلك يفكر فيما آل إليه؛ يفكر في ذلك الشيخ الذي أشاع الفضيلة فيمن حوله و اهتدى بنوره الحيران و الضال, ذلك الشيخ الذي ارتدى زي الملاك و بشر له من الصفات و الرغبات ما لبني آدم في الأرض.... في النهار يحذر الملاك الناس من زخرف الدنيا, و في الليل يظهر شيطانه ليأتي أدنى أنواع ذلك الزخرف....

لكن....

أليس للإنسان -كبشر- حق في أن يخطئ؟ أن يضعف أمام غرائز وُضِعَت فيه غرسًا و باتت جزءًا من تكوينه؟ هل له أن يدفع تلك الطبيعة التي جُبِلَ بنو آدم على وجودها -طبيعة الاشتهاء-؟

عجبًا لك أيها الشيخ!! تحفظ "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ..." و "كانوا إذا اختلوا بحرمات الله انتهكوها" و تلقي مما تحفظ على أسماع الناس ثم ها أنت تقول إنها الغريزة التي تقود بني البشر.... تحفظ "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ....." و تحفظ "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ...." ثم تقول؛ "سيغفر الله لي و سأتوب يومًا ما".... تحفظ عقوبة الرياء و ترجو غير ذلك!!!

لكن... ما هو الجل؟ لا يعرف شيخنا الحل و لو عرفه ربما لا يقوى على تنفيذه, إنه يجد في لذة لحظات الشرب مصيرًا لا فرار منه, و في حبه لعزيزة هدفًا لن يحيد عنه.... (عزيزة)؛ مهجة قلب الشيخ التي ذهبت بما أبقاه المرض من لباب عقله, تلك المرأة التي يسعى إليها بكل ما أوتي؛ ساهم في حفظ قضية زوجها كي يظهر أمامها ذلك البطل الوقور, و تقرب إلى أبيها و حمل عنها بعض أحمال الحياة....

أتراه يمضي إلى بيتها فيطلبها لنفسه و يطفئ نارًا تأججت في بقايا جسده المريض؟

دارت رأس الشيخ جراء الخمر و أضناه التفكير و زادت عليه آلام المرض المبرحة, لكنه عزم أن يذهب إلى بيت (عزيزة) في تلك الساعة المتأخرة ليطلبها يدها للزواج - و هي لمَّا تتم عدتها بعد-!

********

لم تملك (عزيزة) إلا أن تصرخ و تستنجد بالجيران عندما أتاها (الشيخ خالد) في آخر الليل على حالته تلك؛ ثمل متأرجح في عينيه المكر و في لسانه العسل المسموم.

أغلقت الباب في وجهه و انطلقت تستنجد بالناس أن ينقذوها من ذلك الشيخ المرابض أمام شقتها حتى إذا تنبه الجيران هرب الشيخ يحاول الوصول إلى بيته بما تبقى من قوته ليختفي عن الأنظار, و عندما حضر الجيران إلى منزل (عزيزة) قصَّت عليهم ما حدث فلم يصدقوها و ظنوا بها التوهم, لكن بعض المارة ممن لمحوا ظل الرجل الذي هاجم البيت و هرب قالوا إنه يشبهه كثيرًا لكنه كان بعيدًا عن أعينهم في الظلام...

لم يصدق الناس و ظنوا أن في الأمر لبس ما؛ كيف لشيخهم الجليل أن يترك قيالم ليله ليرتكب ذلك الحمق؟!

بعد نقاش قصير تحرك أهل العزبة نحو بيت (الشيخ خالد) ليقطعوا باليقين كل شك, وصلوا إلى باب شقته يُحَدَّث كل واحد منهم نفسه غير مصدق و يخشى لو أن الشيخ قد أصابه مكروه دفعه إلى أن يفعل ما لا يدري....

و عند الباب؛ بدأوا طرْقًا خفيفًا لم يجد ردًا, ثم ازدادت قوة الطرْق شيئًا فشيئًا حتى ازدات معها الشكوك ففتحوا الباب عنوة ثم انطلقوا داخل الشقة يبحثون عن الشيخ و لم يجدوه, لكنهم وجدوا شيئًا آخر....

السلم الخشبي...

بكل وجل هبط أهل العزبة السلم... و انخلعت قلوبهم من هول ما رأوه!!

رأوا شيخهم و إمام مسجدهم ملقى -بين زجاجات الخمر المبعثرة- جاحظ العينين أحمرهما و جسده نازف من كل موضع فيه....

اقتربوا منه و لمسوه فوجدوه باردًا ميتًا!!

لم يصدق أهل العزبة ما فُضِحَ أمام أعينهم من أمر (الشيخ خالد) و لم يتحملوا أن تنهار قدوتهم في لحظة...

******

في نهار اليوم التالي؛ حملوا جثمان الشيخ إلى قبره, و هناك احتاروا؛ ماذا يكتبون على شاهده؟ إلى أن تقدم احدهم و خطَّ كاتبًا:
"هنا يرقد من كان بين الناس قديسًا و في خلواته إبليس".

أما البيت و الخمارة؛ فتركهما أهل العزبة على حالهما و تعاقبت عليهما الأجيال حتى صارا يعرفان بـ"خرابة الشيخ خالد"...

و يقال أنه عند اكتمال البدر من كل شهر عربي يُسْمَع نحيب مكتوم من داخل الخرابة.

تمت
أحمد ثروت
10/2010



السبت، 9 أكتوبر 2010

بخاف



أيوة بخاف!!
يمكن كلامي مايدلّش..
و شكلي ما فيهوش اختلاف
لكني بخاف!!

أخاف لو شمسي طلعت..
من لحظة غروب قريبة
أخاف لو بعد الضلمة
يا شمس ما تطلعيش
أخاف أقوم في يوم و مالقاكيش
أخاف أعيش
على أمل يطلع وهم
و ما ينتهيش
أخاف ينتهي بيا الطريق.. لمفيش

أيوة بخاف..
لما أبص من شباك حياتي
اللي مش شفاف
و ألاقي خطوط العمر
-تقال أو خفاف-
تكسر الضيّ في إزازي
و يخش ضي الأمل مكسور..
مكسور لقلبي و لراسي

أخاف لو أيام الفرج
تنتهي بلحظة تعاسة
أخاف لما أشوف..
الحزن في عيون البشر
لما الظلم بيرسم ع الوشوش
فقر و هم و غم و ضجر
و السفينة من صخرة لصخرة
و من مينا لمينا
ياخدوا منا أجمل ما لينا
ياخدوا الحب اللي في عنينا
ياخدوا منا بعض قوة
قلّوا كانوا أو كتير

أيوة بغير..
لما بشوفِك في مرايتي المسحورة..
مش معايا
لما يبقى اللي بيجمعنا..
مش كفاية
لما آجي أحكي عنّا..
مالقاش حكاية

أيوة بخاف
حتى لو باين سعيد
أيوة بخاف
و عارف..
إن الفرج مش بعيد
أيوة خايف م الجديد

أيوة خايف
و اللي معزيني
إني في الخوف مش وحيد

تمت
أحمد ثروت
9/10/2010