الأحد، 14 فبراير 2010

Estimation الحلقة الثانية و الأخيرة

شدني الفضول؛ كيف يفكر ذلك العجوز؟؟

"استنى هوريك حاجة.".. أخرج أتوجراف من جيبه و فتحه على صفحة معينة:

"اقرا دي كدة"!!

الورقة مكتوب فيها:
"خالص تحياتي.. نجيب محفوظ."

"دي كانت في فندق سان ستيفانو -القديم مش اللي موجود دلوقت-, نجيب محفوظ لما كان ينزل اسكندرية يروح يقعد في كافتيريا الفندق هناك, شفته مرّة و عجبه طريقة لعبي فكتبلي الأتوجراف دا."

لعب لعبته الأولى..
"شايف التاريخ في الورقة؟ 1967... قبل النكسة"

هذا صحيح فعلا!!

"بعد الهزيمة قعدة القهاوي ما بقاتش تنفع, بصراحة كلنا كنا متضايقين و عاوزين نطلع غلنا في اللعب, يوميا كنا نتقابل عند واحد صاحبنا في (عمارة زوزو) اللي فيها (جيلاتي عزة) بتاع بحري دلوقت."

كان الدور قد انتهى فأخذ يمليني النقاط:
"ضيفلي العشرة بتوع الدور و العشرة بتوع الريسك و اضرب في اتنين, و اخصم من كل واحد منهم ضعف اللي طلبه, و اخصم لدا عشرين كمان فوقهم".
نفذت ما قاله و قمت بتفنيط الورق.

أما هو فغمزني قائلا:
"انت عارف إني ماتجوزتش؟؟"

صدمتني العبارة!!

"مع إن الجواز كان سهل قوي أيامينا, بس انا العمر فات بيا من غير ما احس, كويس إني ماجبتش عيال عشان مايعيشوش اللي عشناه"

****

"عبد الناصر اتنحى و طلعت مظاهرات, مات و قامت جنازة في مصر كلها, انتصرنا و فرحنا, و بعد النصر طلعت الجماعات الإسلامية و كانوا بييجوا يتشاكلوا معانا و احنا بنلعب, دا غير طوابير العيش و غلاء الأسعار و اغتيال السادات و ... و ..."
سكت هنيهة ثم تابع:
"جيلنا ياما شاف؛ عانينا بجد و قاسينا, لكن ماتزعش مني جيلكوا دا خايب؛ كل حاجة جاهزة فإيديكوا و شباب ضايع مالوش هدف و ..."

وجدت نفسي أقاطعه:
"فعلا؟؟"

!!!

و كأن اللعب توقف للحظة, و وجّه إليّ الأربعة نظرات امتعاض؛ فتلك هي أول كلمة أنطقها من أول اللعب, هذا غير النبرة الغريبة التي استخدمتها!!

لكن ذلك لم يثنيني عن الكلام:
"أيوة احنا فعلا شباب ماعندوش غير مشاكل بسيطة؛ شوية بطالة و غلا و زحمة و كوسة و ذل و توهان, أيوة احنا فعلا شباب ماعندوش هدف؛ و هيكون عنده هدف ازاي إذا كان ماعندوش قدوة!!
هيكون عنده هدف إزاي و اللي المفروض يوجهوه بيلعبوا في أفكاره و بيبيعوا احلامه!!

للاسف جيلكم انشغل بإنه يتاجر بأفكارنا و مبادئنا, انشغل بإنه يصفي حساباته مع نفسه و ماسبتولناش غير المشاكل....

بقى يا راجل كل الأحداث دي عدت عليك و انت قاعد تلعب؟؟؟؟!!!!
يمكن لو كنت انت بطّلت لعب و خرجت من باب الكافتيريا في يوم ماكانش دا بقى حالي...

دانتوا ورثتونا تركة تقيلة قوي!!"

نظروا إليّ واجمين, بينما نحيت أنا الورقة و القلم جانبا لأقوم من مكاني:
"شوفولكوا حد غيري يحسبلكوا... انا اللي فيا مكفيني!!!"

قلتها و توجهت خارجا من الكافتيريا

تمت
احمد ثروت
21/12/2009


الأحد، 7 فبراير 2010

Estimation الحلقة الأولى

لم أستطع اللعب معهم؛ لكن تكفيني مشاركتهم المجلس

لطالما شدني الجلوس إلى كبار السن مستعا إلى احاديث و ذكريات و خبرات... أستمع و فقط, كثريا ما تطربني نبرة صوت أحدهم الرصينة و هو يحكي عن (أيام زمان) فتبدو لي أيام عز بحق, اعيش بخيالي فيها فأرى نفسي مرتديا طربوش أميله على جنب و أمشي متبخترا في شوارع كرموز و اللبان, و ربما أركب الكارتة- من بحري للمنشية- مع فتاة في (ملاية لف)!!!

"معلش إنت اللي هاتحسب لنا, شد كرسي و تعالى جنبي ندردش مع بعض"
قالها أكبرهم سنا و أقدمهم عهدا بالإستيماشن, صلعته و بقايا شعره الأبيض يجذبونني نحو الدردشة معه..

أشعل هو سيجارته الأولى بيد مهتزة تناسب سنه الذي تعدى السبعين, و قمت أنا بتسطير الورقة لأحسب نقاط اللاعبين الأربعة.

"انت عارف؟" بدأ بها العجوز حديثه. " اول مرة ادخل الكافتيريا دي كان عندي 14 سنة- سنة 48-, سبورتنج ماكانش فيها غير النادي و الترام و كام بيت, و البحر كان قريب قوي لا نفق بقى ولا بتاع... ياسلام!!! أحلى لعب لما تكون قريب من البحر و بتسمع الراديو, انا على فكرة سمعت أخبار النكبة هنا- في الراديو دا-" يكمل ضاحكا " يومها أبويا عرف إني بادخن و باقعد على القهاوي... أخدت حتة علقة يومها.. مش عارف ليه مع إنه كان بيدخن برضة."

أطفأ سيجارته بنفس اليد المهزوزة, نظر مليا إلى ورقه ثم همس لي بخبث:
" انا هأدك الدور دا.."
و أعلن إلى زملاء اللعب: "تمانية تريفل"

تعجبت جدا؛ فورق ذلك العجوز لا يؤهله لطلب 8 تريفل و لا حتى لطلب واحد شاي!!!

" في الكافتيريا دي أنا عاصرت أحداث و حروب و مظاهرات, كل لما كنت أبص من بابها ألاقي مصر اتغيرت"

حملق جيدا في الورق المطروح؛ يبدو أنه يحفظهم و يلعب على أساسهم:
" لما سمعنا خطاب ثورة 52 كنا بنلعب و ما فهمناش حاجة؛ قلنا مين اللي بيتكلم دا" يقصد السادات " بعدها بتلات أيام اسكندرية كلها اتقلبت علشان الملك كان بيسافر برة البلد"...

****

بدا الامتعاض على وجوه اللاعبين الثلاثة؛ فقد نجح العجوز الماكر في دك الدور فعلا, أما هو -العجوز- فانتشى و أشعل سيجارته الثانية بيده التي هزها الزمان.
هو كذلك دائما؛ يحب أن يَخْسَر و يُخَسِّر من حوله...

"عدت علينا احداث و حروب و مظاهرات و احنا بنلعب, ما كناش بنلعب هنا بس, لأ, كنا بنروح حتت تانية, ساعات قهوة فاروق او بورصة المنشية, حتى ساعات كنا نتقابل في فندق سوفيتيل أو متروبولي في محطة الرمل"
ثم توجه إلى اللعب:
" باص كول"

شدني الفضول, كيف يفكر هذا العجوز!!!!

"استنى هوريك حاجة"

يتبع إن شاء الله
أحمد ثروت
21/12/2009