الأحد، 8 مايو 2011

غسيل في بلكونة مواطن

الكورتيزون مادة موجودة داخل جسم الإنسان تعمل على توازنه على مدار اليوم. و هو أيضًا أحد أشهر الأدوية و أوسعها انتشارًا و من أكثر ما يساء استخدامه في عالم الطب. الكورتيزون بالمناسبة ليس علاجًا شافيًا -إلا مع أمراض بعينها- لكنه يستطيع بفعل خصائصه السحرية طمس أعراض المرض عن طريق إضعاف رد فعل الجهاز المناعي تجاه مسبب المرض فيشعر المريض بالتحسن لبعض الوقت نتيجة اختفاء الأعراض دون أن يكف مسبب المرض عن العبث داخل الجسم. بالطبع لا يحدث هذا مع كل الأمراض لكن مع قطاع كبير منها.

المهم احتفظوا بتلك المقدمة في أذهانكم لأني سأعود إليها بعد أن أحكي لكم عني أنا و صديقي محمود حين كنا نتضاحك في يوم من أيام الثانوية و نحن نستحضر خطاب السادات الذي قال فيه: "غسيل في بلكونة مواطن بينقط على غسيل في بلكونة المواطن اللي تحتيه.. و الظاهر إنها كانت ميّة مش ولا بد.. إلخ" كنا نتعجب من ذكاء الرئيس السادات و قدرته على المرور من أزمة الفتنة الطائفية بخطاب عجيب عرفنا فيه لأول مرة أن (الغسيل ممكن ينقط ميّة مش ولا بد)... "هو فيه غسيل في الدنيا بينقط ميّة مش ولا بد برضه؟" قالها صديقي محمود.

هكذا أعطى السادات أول جرعة كورتيزون للشعب المصري, و استطاعت الجرعة إخماد التهابات الفتنة الطائفية دون أن تقضي على مسبب المرض.

و كأي مريض يتناول الكورتيزون؛ ارتاح الشعب المصري لاختفاء العرض و شرع الحكام على مدار أربعين عامّا إلى تكرار جرعات الكورتيزون؛ ربما لأنهم لم يمتلكوا شجاعة وأد الفتنة الطائفية في مهدها استخدموا قبلات الشيوخ و القساوسة و الاحتفالات المشتركة و الكلمات الرنانة للتغطية على أي مشكلة تطرأ على العلاقة بين المسلمين و المسيحيين؛ عنصرَي الأمة.

لا يضر أي فرقتين أن تطرأ بينهم الخلافات و التضاربات من حين لآخر لأن تلك هي طبيعة الاختلاف. و لا يضر أيًا من الفرقتين أن تتصارح مع الإخرى ليتوصلا إلى الحق و العدل في العلاقة المشتركة. إن العلاج بالمسكنات هو الذي خلق مجتمعًا مترهلًا مشققًا هشًا مكتئبًا ضعيفًا؛ و هي بالمناسبة نفس الأعراض الجانبية للعلاج بالكورتيزون على المدى الطويل.

إننا اليوم أمام اختبار لوأد الفتنة و للخروج من مستنقع الطائفية. علينا اليوم أن نكشف الحقيقة كاملة دون تزييف لنعرف جيدًا كيف ستسير العلاقة بين المسلمين و المسيحيين خلال العقود و ربما القرون القادمة من عمر مصر. علينا اليوم أن نعرف من يروج الشائعات أو من يخفي الحقائق حتى لا تبقى الضغائن و لا يندس الحاقدون. علينا أن نتوقف فورًا عن استخدام منطق الكورتيزون في التعامل مع قضية عنصرَي الأمة. أعرف أن بعض أصدقائي سيقولون أن الكورتيزون في الطب يتم سحبه بشكل تدريجي. هو كذلك فعلًا لكن كورتيزون الشعوب يختلف عن الكورتيزون الحقيقي

أحمد ثروت

8/5/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق