الثلاثاء، 30 مارس 2010

انا حاقد.. الحلقة 3-3 الأخيرة

مبدئيا؛ أنا شيخ عجوز تخطى السبعين من العمر, و لك كل الحق أن تسأل كيف لحقود مثلي أن يعيش كل هذا العمر؟ فالقاعدة المعروفة أن الحقود يموت صغيرا, و قليلون منهم هم من يصلون إلى سن الستين؛ فالحاقد أكثر الناس عرضة لأمراض الضغط و السكر و الاكتئاب و جميع الأمراض النفسية و العصبية و حتى الجلدية منها..

أما أنا فاستثناء من القاعدة, ربما اراد الله أن يعاقبني في الدنيا بأن أمد في عمري حتى أموت من الملل...

أنا الآن أعيش وحيدا؛ لا أجد حتى من أحقد عليه, و كيف يتسنى لشيخ مثلي أن يرى أناسًا أو يتعامل معهم حتى يحقد عليهم, أما هؤلاء الحاقدين الشبان فيجدون ضحاياهم بكل سهولة... تبًا؛ إني أحقد عليهم جميعا..

حتى المال الذي ادخرته على مدار حياتي طار على كشوفات و تحاليل و أدوية لا طائل من ورائها, كنت-حتى وقت قريب- أذهب إلى طبيب متخصص في عيادته, و بالتأكيد في كل مرة كنت أدفع (الشيء الفلاني), المهم أنه في الزيارة الأخيرة (رص) لي قائمة الأمراض التي تفتك بي و قائمة التحاليل و الأشعة التي طلبها, و بالطبع لم ينس أن يسرد لي قائمة المحظورات التي أتحرق شوقًا إليها.

أما أنا, فقد كنت مشغولًا عنه بممارسة هوايتي المفضلة:
الحقد..
ثم الحقد..
ثم الحقد..

و بالفعل لم أخيب ظني بنفسي؛ في الزيارة التالية جئت محملًا بتلال التحاليل و الأشعة لكني لم أجد شيئا, فقط عرفت أن الضرائب حجزت على العيادة و أن الطبيب اختفى في مكان لم يستدل عليه حتى الآن, وجدت نفسي مضطرا للذهاب إلى المستوصف المجاور, و في كل مرة أجد معاملة جافة منهم و تجنبا لي, حتى إذا انتهوا منّي صرفوني كما يصرف الصحيح الأجرب...

و ها أنا ذا في غرفتي أُجَرِّب بقايا الحقد في عينيّ:
"عربية حلوة قوي"... طرااخ
"الراجل دا صحته جامدة"... أيييي
"المحل دا بيكسب كويس"... حريقااااة

حسنا, مازلت امتلك بعض الموهبة إذن...

دخلت إلى الشقة و استرخيت على الأريكة...

تعبت!!

سأذيع لكم سرا؛ ما من شخص حقدت عليه إلّا و أصابني الله بأضعاف ما تمنيت لهذا الشخص؛ فها هو أخي الأصغر -الذي حاولت التخلص منه- من اكبر العلماء في مجاله و أحد رموز المجتمع, و كذلك المدرس الذي كان يضربني -رحمه الله- كان وزيرا سابقا للتربية و التعليم و أحد القائل الذين أحبهم الناس بحق..

و الميكانيكي؛ صار صاحب توكيل سيارات بمجهوده..

و البنك الذي عملت فيه و سرقته؛ صار من أكبر البنوك في الشرق الأوسط..

حتى زميلي الذي توفى تحت عجلات القطار!! تبين من التحقيقات أنه -حين نزل يائسا من صباحيته- حاول أن يفتدي طفلا كاد القطار أن يصدمه فمات بدلا منه, احتفل به أهله و اعتبروه بطلا..

أما انا؛ فأهلي هجروني و كذلك أصدقائي, ذهبوا كلهم و تركوني للملل.

يا لي من بائس!!

قمت من مكاني و قد اتخذت قرارًا:
سأحبس نفسي في غرفتي و اظل أحقد على نفسي حتى أموت...

*****
(4)
كيف استطاعت أعصابكم الفولاذية أن تتحمل حتى تكملوا قصتي إلى نهايتها؟؟
...
إني أحقد عليكم!!

تمت
أحمد ثروت
15/3/2010

الأربعاء، 24 مارس 2010

انا حاقد.. الحلقة 2-3


مبدئيا, انا شاب في أواخر العشرينات...

و ارجوك لا تسألني لماذا قفزت في قصتي كل تلك المسافة الزمنية... لأني اترك لذهنك أن تتخيل إنسانا-بدأ حياته بالحقد على اخيه الأصغر- كيف سيمضي تلك الفترة الزمنية؛_ ماذا فعل حيال أستاذه الذي كان يضربه, كيف تصرف مع زميله الذي طالما تفوق عليه دراسيا, و كيف كان ينظر إلى (الميكانيكي) الذي يكسب في اليوم أكثر منه بكثير...

انا أعمل الآن محاسبا بإحدى البنوك, و البنك-لمن لا يعرفه- هو مكان يودع فيه أولئك الأغنياء اموالهم الطائلة, أما وظيفتي في ذلك البنك هي أن يأتي إليّ احد الاغنياء ليأخذ من بحر أمواله, و ما عليّ إلا أن انظر بكل حقد و حسرة إلى الأموال التي تخرج من تحت يديّ, و انا اندب حظي العاثر...

و كان معروفا عن بنكنا-العزيز- أن من يسحب من عندنا مالا لا يعود إلى بيته سليما أبدا...

إما ان تصدمه سيارة على باب البنك..
أو تصيبه (نوبة السكر) في شارع جانبي خال من المارة..
أو -في أحسن احواله- يخرج عليه مجموعة من اللصوص ليستولوا على امواله
....

حار الناس في امر بنكنا, و تدريجيا بدءوا يركزون حيرتهم ناحية الشباك الذي اجلس خلفه...
بدءوا ينظرون إليّ نظرات غريبة..
و لم اعرهم اي اهتمام؛ كنت في شغل عنهم بشيء آخر....

زميلي على الشباك المجاور, من حظي العاثر أن كلينا- -أنا و هو- وقعنا في غرام نفس الفتاة...

مصادفة غريبة, اليس كذلك؟ عموما هي -بالتأكيد- اكثر واقعية من الصدف التي تحدث في قصص إحسان عبد القدوس, المهم؛ ظل الحال على ما هو عليه إلى انا عرفت -يوما- بميعاد زفافهما؛ بالتأكيد هو لم يدعني للحفل لكني عرفت بأي حال-لا يهم- , المهم الآن أن أصب عليه جام حقدي و أن أُخْرج كل عقدي النفسية على ذلك المحظوظ ابن... المحظوظة.
...

و نتيجة لذلك؛ أصابه -يوم فرحه- تيار هواء تسبب في شلل مؤقت للعصب السابع؛ او ما يسميه العامة مثلي (جاله برد في وشه), كانت إصابة مباشرة لكنها لم تشف غليلي؛ ماذا يضر عريس في ليلة فرحه أن يصيب عصبه السابع بعض الشلل؟ إن ما يهم العريس -أي عريس- في مثل تلك المواقف أن يتمتع بـ(عصب عاشر) سليم معافى....

الويل لذلك المحظوظ, إنه يملك (عصبا عاشرا) يعمل بكفاءة.
....

في اليوم التالي؛ عرفت أنه القى بنفسه أمام القطار... لأن عصبه العاشر لم يسعفه...

و لم تكد تنقضي عدته حتى تزوجت أرملته الجميلة, و مع الوقت عرفت أنه ليس بـ(العصب العاشر) وحده يسعد الناس, كانت مثالا للزوجة الشكاءة البكاءة النكدية كثيرة الطلبات, حتى أني بدأت أحقد على زميلي الذي توفى تحت عجلات القطار, لا أعرف ماذا سيحدث له أكثر من أنه مات...

كانت تدفعني دفعا نحو زيادة دخل الأسرة بأي شكل كان؛ حتى أنني اعتدت الاختلاس من أموال الأغنياء الموجودة في البنك, و في إحدى المرات فُضِح أمري و قدمت للمحاكمة....

بسببها خسرت وظيفتي, و خسرت سمعتي, و خسرت عمري خلف القضبان... أما هي؛ فمضت في إجراءات الطلاق حتى حصلت عليه, و لم تكد تنتهي عدتها حتى كانت قد تزوجت من (خروف) آخر...

يتبع إن شاء الله

أحمد ثروت
12/3/2010

الأربعاء، 17 مارس 2010

أنا حاقد... الحلقة الأولى (1-3)


مبدئيا؛ أنا طفل في الثالثة من عمري....
و ارجوك لا تسألني كيف لطفل في الثالثة أن يتكلم بتلك اللغة العربية الرصينة, و ان يصل إلى تلك المعاني و الأفكار, دعك من هذا كله ولا تتعجب فنجيب محفوظ كان يُجري الحِكَم الفلسفية المعقدة على ألسنة (ملمعي الأحذية).

فقط أنصت إلى قصتي...

كنت-حتى وقت قريب- محور أحداث البيت كله؛ لنقل أني الآمر الناهي, فإذا كان أبي يسيطر على البيت, و امي تسيطر على أبي, و أنا أسيطر على أمي؛ فأنا-فعليا- صاحب الرأي الأوحد في أسرتنا.

ظل الحال على هذا المنوال-تكفي صيحة بكاء واحدة مني كي يهب البيت كله- إلى أن لاحظت يوما ما انتفاخا بسيطا في بطن أمي...

- إيه دا يا ماما؟
-دا أخوك يا ميدو.
-انتي كلتي أخويا يا ماما؟

أخذ أخي يكبر شيئا فشيئا داخل بطن امي, و بدت هي بدورها تضيق صبرا بي و بأوامري, حتى كبرت بطن أمي بشكل مريب..
اختفت أمي عن البيت لفترة... يقال أن بطنها قد انفجرت ليخرج منها أخي.

و الواقع أنه لم يكن-بالنسبة إلىّ- انفجارا حميدا؛ لقد كان بمثابة إنقلاب و انتقال غير سلس للسلطة داخل البيت (لاحظ أني حذرتك ألا تتعجب من اللغة الفصحى التي يستخدمها طفل مثلي).

و كما يفعل أي حاكم سابق؛ رفضت الاعتراف بانتقال السلطة, بصراحة لم أكن اطيق الاهتمام الزائد بالحاكم-أقصد المولود- الجديد و تسليط الأضواء كلها عليه, بل الأخطر من ذلك؛ انهالت عليّ كمية لا بأس بها من تعليقات الأقارب السخيفة؛ مثل:
"خد بالك من اخوك يا ميدو"...
"انت خلاص كبرت على الدلع يا ميدو"...
و اخيرا التعليق الأسخف على الإطلاق, و الذي دائما ما ينتهي بضحكة رقيعة:
"تلاقيك هتموت من الغيظ يا ميدو... هع هع هع هع"

يا للسخافة....

لا بد من خطة محكمة للتخلص من ذلك الطفل السخيف....

و وجدتها

في يوم (السبوع) المشئوم؛ تصنعت أنا الفرحة بأخي العزيز-جدا جدا-, و ظللت اتحين الفرصة التي أحمله بين يديّ, حتى إذا جاءت اللحظة المناسبة ألقي به من أقرب شباك....

لكن يبدو أن امي كانت على علم بالمخطط السري؛ فلم تعطني أي فرصة للتمكن من ذلك الطفل-الطفيلي.

انتهى السبوع....
و لم ينلني منه إلا أن تكرر على مسامعي ذلك التعليق-المستفز- الذي دائما ما ينتهي بـ"هع هع هع هع"

و لم تنتهي الخطط....
يما أقذف الآلة الحاسبة ناحيته,
و يوما أحاول فك صواميل سريه الهزَّاز,
و يوما أكتم نفسه مستعملا أكبر وسادة استطعت حملها...

و كلها كانت محاولات فاشلة..
فاشلة..
فاشلة...

يتبع إن شاء الله
أحمد ثروت
12/3/2010