السبت، 15 أغسطس 2009

السقوط في بركة السبع

أنا أول من امتلك (المودم) بين أصدقائي, و الوحيد الذي يحق لي الاستماع لصوته المميز الذي يوصلك بأي مكان في العالم في زمن لا يزيد بأي حال عن عشر دقائق!, كان ذلك في الوقت الذي لم تكن في بلدتي- التابعة لمركز بركة السبع- إلا سايبر واحد, كثيرا ما كنا نهرب من مدارسنا إليه.

أما الآن؛ فقد عاد أبي من القاهرة حاملا لنا كمبيوتر بمواصفات خيالية بحق؛ فلم اكن أسمع قبلها عن الهارد أبو 20 جيجا, و الرامات 128-مسطرة واحدة-, و البروسيسور (بانتيام 3), هذا غير الألعاب الكثيرة جدا؛ موتوسيكلات و فيفا.... إلخ.


كان جهازا خرافيا بحق, و زاد عليه ذلك الكارت الصغير ذو الصوت الساحر, أسرعت بفصل سلك التليفون و أوصلته بالكارت, ثم طلبت الرقم (0777...) لأستمع إلى الـ(تن.. تنتن..تن..تنتن...شش), هالتني سرعته في الاتصال بالعالم التي لم تتجاوز الثلاث دقائق!! نعم ثلاث دقائق لأجد نفسي امام صفحة بيضاء تبنى قطعة قطعة و سطر سطر ليظهر في النهاية الموقع الاليكتروني (ام.اس.ان) الذي يذاع من أقصى الأرض.


حينها فقط انتقلت علاقتنا-أنا و أصدقائي_ بالكمبيوتر من الألعاب و الـ(رد اليرت) إلى عصر المواقع المفتوحة, حيث الوصول إلى أي شيء بضغطة زر واحدة؛ ضغطة واحدة ثم ننتظر فنجده امامنا دون مانع و دون حد.


كنا نجلس في غرفتي, فاتحا انا الشباك المطل على المقهى الجالس به أبي و مشغلا ذلك الساحر دا الـ(تن.. تن..شش) ثم عما قليل تجدنا نحملق جميعنا في تلك الشاشة لنرى ما أرسله لنا العالم الذي أصبح قرية صغيرة؛ ربما أصغر من قريتي في (بركة السبع).


عرف أبي بالأمر بعدما لاحظ تأخري الدراسي الشديد؛ فكانت الإجراءات الصارمة التي كان أبسطها أن أقاطع أصحابي, و احرمهم من المودم.

ثم دخل بي المودم عصر الشات, بدأ الامر بالماسنجر حيث أضفت ايميلات اصدقائي, و بدانا فاصلا طويلا من:

ازيك

:)

brb

ثم انتقلنا إلى عصر الشات (الـبريء) مع البنات الذين اعرفهم و الذين لا اعرفهم؛ حتى أصبحت أقضي الساعات (أتهايف) مع أي بنت على الماسنجر, إلى انا جاء اليوم الذي كدت أتورط في مشكلة كبيرة لأن أحد أصحابي (اللذاذ) سرق ايميلي و اشتغل البنات بيه.


ثم جاء زمن الـ(بالتاك) حيث التبادل المباشر للأفكار و الثقافات بيني و بين من لا اعرفهم, بدأت أسمع كلاما جديدا من اناس غريبة, سمعت كيف انا العرب ظلموا اليهود, و كيف أن العادات التي تربيت عليها هي من العصور الوسطى, بدأت أسمع و استمع لأفكار منحلة في الدين و السياسة, بل و في الحياة الشخصية؛ و كأنني في سوق للأفكار لا يعرض إلا البضاعة الرخيصة منها.


و مرورا بالمنتديات, وصلت إلى الـ(هاي فايف), لم يعد الامر يقتصر الآن على مجرد تناقل الكلام مع الآخرين, أصبحت الصورة و الصوت و حتى المعلومات الشخصية متاحة في اي وقت و لو في غياب صاحبها, نعم!! حينها كانت هوايتي التي امارسها في فراغي هي (التطفل) على بروفايلات من لا أعرفهم, من بروفايل لآخر أرى معلومات شخصية تصل إلى مستوى الخصوصية لأشخاص من ثقافات غريبة؛ تلك الثقافات التي-دون أن أدري- أخذتني بعيدا عن أصولي و ثقافتي؛ رغم أنني يوما لم أقتنع بتلك الثقافات لكن الثمرة المحرمة- كما تعرفون- حلوة.

******

الآن.......

انتهيت لتوي من كتابة (بلوج) جديد و متابعة الأخبار, استرخيت بعض الوقت امام اليوتيوب؛ أشاهد إحدى حلقات مسلسل (السقوط في بئر سبع), مازال شباك غرفتي مفتوحا, بالكاد أرى المقهى من بين أسلاك النت اللي رايحة جاية, لم يكن أبي جالسا هناك؛ فبدلا منه جلس أصحاب العهد البائد, اعرفهم واحدا واحدا;

منهم من انتظر طويلا طويلا على المقهى في انتظار الحياة الوردية التي رآهاه يوما على (فانتازيا النت).

و منهم من سخط على واقعه و بلاده التي لم تعطه رخاء و لا دعة, يتمنى لو سافر إلى بلاد أصحاب بروفايلات (الفانتازيا).

و منهم من تحلى بأفكار ممسوخة من لا شيء, ربما تمثل انحلالا مطلقا أو تشددا شديدا, يبحث لنفسه عن شخصية بطولية وهمية.... بيني و بينكم مش لايق عليه خاالص!!

و أعرف منهم (المأنتخ اللي صحته بايظة!!) حتى أنه لا يقوى حتى على التفكير.

و هناك واحد منهم أعرفه جيدا, ممسكا موبايله, بالتأكيد هو على النت, و بالتأكيد انا اعرف اي نوع من المواقع هو عليه, لكني مندهش؛ ليه يغرم نسه مع إنه لو راح على طرف البلد هيبقط (وايرلس)؟؟!

..

أعدت النظر إلى شاشة الكمبيوتر ثم عدت بعيني إلى المقهى, لم أجد فرقا بين (شفيق فكري صالح)و بين أي من أصدقائي –سابقا-

لم يعد العدو بحاجة لاستدراكنا حتى (بئر سبع) ليبث فينا سمومه, إنه الآن في بيوتنا؛ في قريتي التابعة لمركز (بركة السبع)..

تمت

أحمد ثروت

13/8/2009

قصة قصيرة من خيالي و لا تعبر عن واقع المؤلف بأي حال من الاحوال... حلاوتك في التنويهات يا ثروت :))